سورة البروج - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البروج)


        


{والسماء ذَاتِ البروج} هي البروج الاثنا عشر. وقيل: النجوم أو عظام الكواكب {واليوم الموعود} يوم القيامة {وشاهد وَمَشْهُودٍ} أي وشاهد في ذلك اليوم ومشهود فيه، والمراد بالشاهد من يشهد فيه من الخلائق كلهم، وبالمشهود فيه ما في ذلك اليوم من عجائبه. وطريق تنكيرهما إما ما ذكرته في قوله {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] كأنه قيل: ما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود، وإما للإبهام في الوصف كأنه قيل: وشاهد ومشهود لا يكتنه وصفهما. وقد كثرت أقاويل المفسرين فيهما فقيل: محمد صلى الله عليه وسلم ويوم القيامة أو عيسى وأمته لقوله: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة: 117]. أو أمة محمد وسائر الأمم، أو الحجر الأسود والحجيج، أو الأيام والليالي وبنو آدم للحديث: «ما من يوم إلا وينادي أنا يوم جديد وعلى ما يفعل فيّ شهيد فاغتنمني فلو غابت شمسي لم تدركني إلى يوم القيامة» أو الحفظة وبنو آدم، أو الله تعالى والخلق لقوله تعالى: {وكفى بالله شَهِيداً} [الفتح: 28] [النساء: 79] أو الأنبياء ومحمد عليهم السلام. وجواب القسم محذوف يدل عليه {قُتِلَ أصحاب الأخدود} أي لعن كأنه قيل: أقسم بهذه الأشياء إنهم ملعونون يعني كفار قريش كما لعن أصحاب الأخدود، وهو خد أي شق عظيم في الأرض.
رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان لبعض الملوك ساحر فلما كبر ضموا إليه غلاماً ليعلمه السحر. وكان في طريق الغلام راهب فسمع منه فرأى في طريقه ذات يوم دابة قد حبست الناس فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان الراهب أحب إليك من الساحر فاقتلها فقتلها فكان الغلام بعد ذلك يبرئ الأكمه والأبرص. وعمي جليس للملك فأبرأه فأبصره الملك فسأله من رد عليك بصرك؟ فقال: ربي. فغضب فعذبه فدل على الغلام، فعذبه فدل على الراهب، فلم يرجع الراهب عن دينه فقدّ بالمنشار، وأبى الغلام فذهب به إلى جبل ليطرح من ذروته فدعا فرجف بالقوم فطاحوا ونجا، فذهب به إلى قرقور فلجّجوا به ليغرقوه فدعا فانكفأت بهم السفينة فغرقوا ونجا فقال للملك: لست بقاتلي حتى تجمع الناس في صعيد وتصلبني على جذع وتأخذ سهماً من كنانتي وتقول: باسم الله رب الغلام ثم ترميني به، فرماه فوقع في صدغه فوضع يده عليه فمات فقال الناس: آمنا برب الغلام. فقيل للملك: نزل بك ما كنت تحذر. فخدّ أخدوداً وملأها ناراً فمن لم يرجع عن دينه طرحه فيها حتى جاءت امرأة معها صبي فتقاعست أن تقع فيها فقال الصبي: يا أماه اصبري فإنك على الحق» فألقي الصبي وأمه فيها {النار} بدل اشتمال من الأخدود {ذَاتِ الوقود} وصف لها بأنها نار عظيمة لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس {إِذْ} ظرف لقتل أي لعنوا حين أحرقوا بالنار قاعدين حولها {هُمْ عَلَيْهَا} أي الكفار على ما يدنو منها من حافات الأخدود {قُعُودٌ} جلوس على الكراسي {وَهُمْ} أي الكفار {على مَا يَفْعَلُونَ بالمؤمنين} من الإحراق {شُهُودٌ} يشهد بعضهم لبعض عند الملك أن أحداً منهم لم يفرط فيما أمر به وفوض إليه من التعذيب، وفيه حث للمؤمنين على الصبر وتحمل أذى أهل مكة {وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ} وما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ***
وقوله:
ما نقموا من بني أمية إل *** لاّ أنهم يحلمون إن غضبوا
وقرئ {نَقَمُواْ} بالكسر والفصيح هو الفتح {بالله العزيز الحميد} ذكر الأوصاف التي يستحق بها أن يؤمن به وهو كونه عزيزاً غالباً قادرا يخشى عقابه حميداً منعماً يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه {الذى لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض} فكل من فيهما تحق عليه عبادته والخشوع له تقريراً لأن ما نقموا منهم هو الحق الذي لا ينقمه إلا مبطل، وأن الناقمين أهل لانتقام الله منهم بعذاب عظيم {والله على كُلِّ شَئ شَهِيدٌ} وعيد لهم يعني أنه علم ما فعلوا وهو مجازيهم عليه.


{إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات} يجوز أن يريد بالذين فتنوا أصحاب الأخدود خاصة وبالذين آمنوا المطروحين في الأخدود، ومعنى فتنوهم عذبوهم بالنار وأحرقوهم {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ} لم يرجعوا عن كفرهم {فَلَهُمْ} في الآخرة {عَذَابُ جَهَنَّمَ} بكفرهم {وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق} في الدنيا لما رُوي أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم، ويجوز أن يريد الذين فتنوا المؤمنين أي بلوهم بالأذى على العموم والمؤمنين المفتونين، وأن للفاتنين عذابين في الآخرة لكفرهم ولفتنتهم.
{إِنَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ذَلِكَ الفوز الكبير} أي الذين صبروا على تعذيب الأخدود أو هو عام {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} البطش: الأخذ بالعنف فإذا وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم، والمراد أخذه الظلمة والجبابرة بالعذاب والانتقام {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ} أي يخلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد أن صيرهم تراباً، دل باقتداره على الابداء والإعادة على شدة بطشه، أو أوعد الكفرة بأنه يعيدهم كما أبدأهم ليبطش بهم إذ لم يشكروا نعمة الابداء وكذبوا بالإعادة {وَهُوَ الغفور} الساتر للعيوب العافي عن الذنوب {الودود} المحب لأوليائه. وقيل: الفاعل لأهل الطاعة ما يفعله الودود من إعطائهم ما أرادوا {ذُو العرش} خالقه ومالكه {المجيد} وبالجر: حمزة وعلي على أنه صفة للعرش ومجد الله عظمته ومجد العرش علوه وعظمه {فَعَّالٌ} خبر مبتدأ محذوف {لِّمَا يُرِيدُ} تكوينه فيكون فيه دلالة خلق أفعال العباد.
{هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الجنود} أي قد أتاك خبر الجموع الطاغية في الأمم الخالية {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} بدل من {الجنود} وأراد بفرعون إياه وآله والمعنى قد عرفت تكذيب تلك الجنود للرسل وما نزل بهم لتكذيبهم {بَلِ الذين كَفَرُواْ} من قومك {فِى تَكْذِيبٍ} واستيجاب للعذاب ولا يعتبرون بالجنود لا لخفاء حال الجنود عليهم لكن يكذبونك عناداً {والله مِن وَرَائِهِمْ مُّحِيطٌ} أي عالم بأحوالهم وقادر عليهم وهم لا يعجزونه، والإحاطة بهم من ورائهم مثل لأنهم لا يفوتونه كما لا يفوت الشيء المحيط به {بَلْ هُوَ} بل هذا الذي كذبوا به {قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ} شريف عالي الطبقة في الكتب وفي نظمه وإعجازه ليس كما يزعمون أنه مفترى وأنه أساطير الأولين {فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} من وصول الشياطين إليه {مَّحْفُوظٍ}: نافع صفة للقرآن أي من التغيير والتبديل. واللوح عند الحسن شيء يلوح للملائكة فيقرؤونه، وعند ابن عباس رضي الله عنهما وهو من درة بيضاء طولها ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، قلمه نور وكل شيء فيه مسطور. مقاتل: هو على يمين العرش. وقيل: أعلاه معقود بالعرش وأسفله في حجر ملك كريم، والله أعلم.